اخر الاخبار
عاجل
السبت، 24 فبراير 2018

واء نيوز الدولية :: البحث عن الحقيقة / بقلم الدكتور حسين أحمد سليم / لبنان /


واء نيوز الدولية / مقالات واراء /

أتفكّر عميقا في لغز الحقيقة, و أبحر طو يلا في أبعاد مضامينها, يحملني التّخاطر في البعد خياليّا لريادة كنهها, و أمتطي صهوة الأثير في ثنايا الرّؤى لسبر أغوار ماهيتها, و أعتلي فعل الفلسفة في معالم الوعي الباطنيّ لكشف النّقاب عن مطاويها... 
أتساءل من منظوري الخاصّ؟! أوازن بين لغة القلب و لغة العقل؟! أقلبن العقل و أعقلن القلب؟! أزاوج بين مفاهيم الفكر و مشاعر العاطفة, أرسم الشّكّ إيجابا و سلبا في كلّ المعطيات, و عبر كلّ المسارات في كلّ الدّروب, أشكّل التّساؤلات في كلّ الإتّجاهات؟!... 
هل الحقيقة معقّدة جدّا إلى حدّ الإعجاز؟!... و هل الحقيقة على العكس بسيطة جدّا إلى حدّ البراءة؟!... و هل من الممكن عقلا و منطقا التّوفيق بين الحقيقة المعقّدة و الحقيقة البسيطة, بحقيقة أقلّ تعقيدا و أرفع مستوى من البساطة, تنطوي على كلّ معالم الوضوح و جميع إشارات الفهم و صور رؤى العقل؟!... و هل القلب الملهم هو القلب المحبّ فعلا و هو مقرّ الحقيقة؟!... و هل العقل هو مركبة الوصول الفعليّة إلى الحقيقة؟!... و كيف ينظر الوجدان الإنساني إلى الحقيقة؟!... و كيف يتعامل الضّمير البشريّ مع الحقيقة؟!... و هل للنّفس دورها الفاعل في الحقيقة؟!...
المعرفة هي المسارات الأقوم للعقل المتدبّر, و بقدر ما يعرف صاحب العقل و يفهم و يتفهّم, يمكن له أن يتمثّل الحكمة في البحث عن الحقيقة و وعيها, فالحقيقة تقبع في صفاء كلّ نفس منّا, و تتجسّد فيما يساور كلّ تفكير فينا, و هي تشعّ مشرقة ببهاء و هناء في قلوبنا من حيث لا ندري... فالحقيقة ليست محتكرة لأحد, و هي مباحة للجميع و في متناول كلّ شخص بصير, و قائمة في كلّ شخص متفتّح البصيرة...
الحقيقة من وجهة نظري التّفكيريّة, لا يمكن تصنيفها في الشّرائح المعقّدة أبدا, فالتّعقيد ليس من صلب الحقيقة, و من زاوية الوعي الباطني المتيقّظ دائما في ضمير الإنسان و وجدانه, ليست الحقيقة دفينة في الكوامن النّفسيّة العميقة, و التّعقيد هو من نتاج الأفكار المتناقضة حولها, و التي تراءت لها أنّ الحقيقة من العناصر المادّيّة, فعملت على التّوغل في الواقع الملموس, ممّا حملها للتّباعد عنها, أو ربّما ظنّتها بعض الأفكار أنّها سرابا يتراءى لها في البعد, و كلّما ظنّت الإقتراب منها تاهت عنها, و هناك من إعتقدها شيئا ملموسا كما الأشياء المحيطة, ففتّش عنها بين الموجودات فلم يجد لها أثرا... 
رؤى التّنظير الكثيف, و وتراكم الآراء المختلفة, و تكديس الأفكار الإجتهاديّة, و إحتشاد النّظريّات الكثيرة, و لتّهافت الفلسفي على التّنقيب في كنه الحقيقة, حالات خلقت غشاوات ضبابيّة من التّعقيد, عبر حقب الأزمان, و تفاعلت جميعها مع بعضها البعض على فترات معيّنة, و باتت بمثابة العثرات المانعة من سلوك الطّريق الموصل لإيجاد الحقيقة, فأصبح الذي تحدّثه نفسه بها, أو يتراءى لخياله طيفها, أو يتخاطر بشفافيّتها, أو يتفكّر في مضامينها, أو من عزم السّلوك نحوها, أو همّ بالبحث عنها, إضافة إلى ما يثقل فكره ممّا يحمله من مفاهيم مختلفة بصددها, ملزم من حيث لا يدري أن يجتاز طريقًا وعرًا, و مسارًا شائكًا في سبيل الوصول إليها, أو تحقيق ولوج آفاقها الواسعة, أو ريادة عوالمها الممتدّة...
عمليّة التّشابك بين الواقع و الحقيقة, و فعل التّمازج بين العاطفة و الفكر, و حركة التّداخل بين العقل و القلب, عند الكثير من أصحاب الأفكار المختلفة, سبّبت حالة مشوّشة من إختلاط الأمور على أصحابها... بحيث يتراءى بما لا يقبل الجدل, و كأنّ كلاّ من تلك الأفكار المتعدّدة و المتنوّعة, قد شقّ طريقا خاصًا لذاته, واضعا نصب عينيه التّوجّه نحو الحقيقة... فباتت الطّرق كثيرة, تضيع بسالكها, و الدّروب متعدّدة, تأخذ بمن يرود شعابها للضّياع, و المسارات متنوّعة, يحتار من يقتحمها, وجميعها متداخلة في بعضها البعض كالمتاهات, متشعّبة متفرّعة وفقًا لميول أصحابها, و يغشاها غبار البحث و التّنقيب, الذي يفصل بينها و بين الباحث الحرّ و يمنعه من الوصول إلى تحقيق مراده, و القبض على الحقيقة...
اللاّتفكّر المنطقي المركّز في كنه الأشياء, اللاّرؤية الواضحة للأمور من زاوية البصيرة, و عدم التّعمّق الكافي في بحار المعرفة, و صرف النّفس عن فعل إيقاظ الوعي الباطنيّ, الهاجع في كوامن الجوارح و الدّواخل الاعماق, كلّها حالات تصبّ في مسألة تعقيد طريق الحقيقة... فمن يعتمد السّير على أثر أقدام الغير, يصل إلى نفس نقطة وصول الآخرين, و يتوقّف عندها حيث توقّف من سبقوه في المسار, هذا إذا لم يتوقّف ما قبل أو حتّى ما بعد... فإذا ما إلتقى السّائر في مسارات الحقيقة بآثار أقدام أخرى, إلى جانب آثار أقدامه التي يتركها في نفس الإتّجاه, حتّى تزداد الطّريق نحو الحقيقة تعقيدًا على كلّ من يأتي بعده مستطلعا أو باحثا, بحيث أضحت كلّ الآثار في هذا المجال تخبّطا على غير هدى في مستنقعات الوحول... و هذه هي حال كلّ من يريد البحث عن الحقيقة, و هو يحمل مفهومًا مسبقًا عنها, أو يتراءى له تصوّرًا سابقًا لماهيّتها...
الحقيقة هي الجوهرة النّادرة التي تسكن في أفئدتنا, و تقيم في وجداننا, و تسكن في عقولنا, و تعمر بها صدورنا, و تفعم بها قلوبنا, و تهتزّ لها أرواحنا... و لكن تغشاها شوائب نفوسنا الأمّارة بكلّ الأشياء السّوء, و التي تكاثفت عبر مرور الزّمن, و خلقت حجابًا مانعًا بيننا و بينها...
أعود على أدراجي من جديد, أتفكّر بالحقيقة كما هي شفيفة أثيريّة, مهما صغر حجمها أو كبر, و مهما تسلسلت في سياق حقائق متدرّجة, و مهما توسّعت في إمتدادات الطّبيعة, و مهما تمدّدت في إتّساعات الفضاء... يستحيل على الإنسان بلوغها بواسطة التّفكير المادّي المحدود, و لا يمكن لأيّ كان الوصول إليها عن طريق منظومات المعادلات في العلوم... فالتّوصّل إلى مضامين الحقيقة لا يتمّ إلاّ باعتماد معادلات المنطق الحياتي, و نحن بكامل وعينا الباطنيّ, نتمتّع بصفاء النّيّة التّام, و صدق الطّويّة الشّفيف, و نقاء السّريرة النّاصع... 
في الرّؤى الشّفيفة السّيّالات, تستحثّنا أمنية نستشعرها, و تحاكينا تخاطرًا في البعد الآخر, و تنادينا غاية واحدة من خلف الحجب, هي الإغراق في محبّة البحث الصّادق, من أجل هدف أسمى واحد, يلتمع لألاءًا في البعد الممتد, هو العمل الجادّ لإكتشاف الحقيقة... و بذلك نؤكّد على براءة تفوسنا في طلبها, فتجذبنا الحقيقة إلى براءتها, فنتفاعل معها بإيجابيّة واسعة و فهم بديهيّ, فالحقيقة هي الحقيقة المجرّدة و ليست مادّيّة... الحقيقة هي واحدة لا تتغيّر, و إن تنوّعت أرديتها أو إختلفت أوشحتها... الوعيّ الشّفيف للحقيقة هو الذي يختلف في أذهان البشر, و هو الذي يتباين في وجدان الإنسان, على ذمّة واقع المكان و الزّمان, و وفق مسارات رؤى مستويات مجمل المفاهيم العامّة و الخاصّة على السّواء...
  • Blogger Comments
  • Facebook